امرأة جميلة بيضاء البشرة ذات عينين خضروان واسعتان ملتحفة بملاءة بيضاء ..
|
استدعى الجيش أخي المراهق للخدمة العسكرية .
كان ذالك أواخر 1998 وكانت الجزائر وقتها تعاني أزمة أمنية عويصة تعرف ما
يسمى الآن بالحرب على الإرهاب . لذلك كانت العائلات تخشى أن تفصح بأية
معلومات عن تواجد أبنائها في أماكن الثكنات خوفا على أرواحهم .
وبعد أن التحق أخي بصفوف الجيش وبعد وداع
عائلي درامي بدأت تصلنا أخباره عن طريق الرسائل المكتوبة أو عن طريق
الهاتف الثابت ، ثم فجأة انقطعت الأخبار عنه دفعة واحدة . وفتح باب
التخمينات على مصراعيه وضربنا الأخماس بالأسداس عن مصير أخي المسكين ، فقد
مر تقريبا شهرين دون أن يصلنا ولو خبر شحيح عنه .
غير أن أمي الكريمة التجأت إلى الله عز
وجل الذي لا يوجد عند بابه حاجب او ديوان تشريفات ، كانت تبتهل متضرعة
باكية إلى الله تعالى أن يحفظ فلذة كبدها وان يسمعها خبرا عنه ، كنت أراها
خلسة من وراء ستار الباب وهي خاشعة في دعائها ، لم أكن أحبذ أن افسد عليها
صلواتها بقدر ما كنت أشفق عليها ، فقد كانت ولازلت أما طيبة حنونا يتصل
نسبها بالعائلة الشريفة المغربية الدرقاوية وهي معروفة في المغرب الأقصى .
ومرت الأيام ببطء شديد ، وحدث ذات يوم بعد
الظهر كنت في غرفتي أتفرج على التلفاز وكانت أمي في غرفتها ، فسمعت طارقا
يدق الباب ثم سمعت بعدها صوت نعل أمي تجرهما لتفتح الباب . خفضت قليلا من
صوت التلفاز لكي اختلس السمع فإذا بصوت نسائي يتحدث مع أمي ، ثم انطلق صوت
أمي مدويا مرحبا : كيف هو ؟ .. أين هو ؟ .. لماذا لم يتصل بنا ؟ ..
وارتفع صوت المرأة هو الآخر لأسمعه بوضوح تقريبا يقول : إنه بخير لا تخافي
.. انه بصحة جيدة ، ثم اختلطت ذبذبات صوتيهما فلم أتمكن من فرزهما .
انتظرت بفارغ الصبر أن تأتي أمي وتخبرني
بالأمر ، وحاولت أن أقوم من رقدتي ، لكني لم استطع كأني مشدود بحبل غير
مرئي بطرفي السرير . وتعجبت للأمر .. لماذا لم اقدر على القيام ؟ ..
بعد فترة وجيزة سمعت الباب يوصد وأمي
تناديني من بعيد قادمة إلي . دخلت أمي الغرفة وجلست بحذائي وعلى محياها
بشائر الفرح والحبور والسرور ، قالت دفعة واحدة : إنها امرأة جميلة بيضاء
البشرة ذات عينين خضروان واسعتان ملتحفة بملاءة بيضاء كما كانت تفعل نساء
الجزائر قديما خلال الفترة العثمانية ، وقالت أيضا أنها بنت عائلة السبع ،
فقلت مقاطعا أن عائلة السبع جيراننا ؟ .. فقالت أمي نعم ، ثم أردفت قائلة
: أن أخوك بخير غير انه انتقل إلى ثكنة أخرى بعيدة عن العمران في مرحلة
تدريبية وتكوينية جديدة لذلك لم يتسنى له أن يبعث لنا بأخباره ، ثم قالت
أن أبن هذه المرأة مع أخي وهو بخير كذالك. وعاد السرور والاطمئنان إلى
العائلة وانتشر خبر المرأة بين افردها.
قد تبدو القصة عادية ، لكن الغريب أني بعد
يومين التقيت على حين غرة بأحد أفراد عائلة السبع وبادرته بالسؤال : هل
أخوك العسكري بخير؟ .. فرد علي بتعجب : إن أخوتي كلهم انتهوا من تأدية واجب
الخدمة العسكرية . فقلت وقد أحسست بقشعريرة تسري في أوصالي : عذرا حصل
عندي خلط في الألقاب .
دخلت المنزل وأنا أفكر في الموضوع بجدية ،
لم أكن وقتها على دراية كاملة وتجربة بمواضيع الباراسيكولوجي لان
المكتبات كانت شحيحة فيما يخص هذا المضمار وكانت اغلب الكتب تختص بالأدب
والتاريخ والشعر والنقد وكتب طه حسين الله يرحمه . وكنت اسمع بمجلة
بلجيكية متخصصة في الظواهر الغير منظورة تنشر القصص الغريبة والتجارب
العجيبة وقد تصل أحيانا إلى تحويلها لعمل سينمائي .
التقيت مع أمي ونظرت إليها ، فقالت وقد
بدت على وجهها علامات الاستغراب : لقد ذهبت إلى عائلة السبع لازور تلك
المرأة غير أن نساء العائلة استغربن أمر المرأة الجميلة وأبنها العسكري .
وقالت أيضا أن أفراد العائلة انتهوا من تأدية واجب الخدمة . فقلت لامي
مدهوشا : إذن من تكون تلك المرأة ؟ . فقالت أمي : لا اعرف كنت أتحدث إليها
وأنا اشعر بقشعريرة قوية في جسمي كله . ثم شعرنا معا بقشعريرة ونحن نتحدث
عنها .
بعد مرور شهر جاء أخي إلى البيت وفرحت أمي
أيما فرح بهذه المناسبة ، وفي الصباح بينما كنا نحتسي فنجان القهوة سألت
أمي أخي : هل تعرف شابا معك في الثكنة يدعى السبع ؟ .. فنفى أخي قائلا : لا
اعتقد أني قد سمعت بهذا الاسم في الثكنة خصوصا وان هذا الاسم من أبناء
بلدتي ولو سمعت به لتعرفت عليه .
من تكون هذه المرأة ؟ .. ولماذا لم استطع
أن أقوم من مكاني لأتكلم معها أو على الأقل لأراها ؟ .. كل ما اعرفه أن
الله عز وجل قد استجاب لقلب الأم المحترق على فلذة كبدها .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق