|
|
|
معصم زوجته كان مليئا بالخدوش و الجروح المندملة ..
|
أحيانا نطلق العنان لعاطفتنا و جوارحنا
لاختيار مصيرنا و نغيب العقل ، نعتمد على تفاهة القلب و نستغني عن منطق
العقل ، حتى إذا ما أردنا أن نكون منطقيين بعض الشيء ، نترك المجال لجزئيات
صغيرة لتحديد مصيرنا ظنا منا بأننا رجحنا كفة العقل على كفة القلب ، لكن
في الحقيقة نحن منصاعون لجوارحنا ، نكذب على أنفسنا متوهمين بأننا رجحنا
العقل على القلب . هذا ما ستكتشفه مع بطل قصتنا الذي عاش رعبا نفسيا و
جسديا رهيبا .
كان سليم شابا في مقتبل العمر يشتغل
موظفا في إحدى الشركات ، كانت له علاقة مع فتاتين . لن يذهب خيالكم بعيدا ،
فهذا الشاب كان خلوقا ، كل ما يبحث عنه هو الإستقرار و تكوين أسرة . كانت
معرفته بهما سطحية إلى حد ما ، كان تائها بينهما لا يعرف من فيهما سيختار
لتكون زوجة له . الفتاة الاولى : تسمى حنان ، متدربة في الشركة التي كان
يشتغل بها سابقا في مدينته الأصلية ، أي قبل أربعة أشهر ، قبل أن ينتقل إلى
شركة جديدة في مدينة اخرى . حنان هذه كانت جدية متوسطة الجمال لكن كان
شعرها الطويل يميزها عن غيرها ، علاقتهما لم تتعدى الشغل لكن في بعض
الأحيان كانت تتطور إلى تبادل نظرات الإعجاب ، آخر مرة تجرأ و طلب منها
التواصل عبر wathsapp , رحبت بالأمر وأصبحا يتبادلان الرسائل التي لا تخلو
في معظمها من الكلام في مشاكل الشغل .
الفتاة التانية : تسمى سهام ، تسكن في
مدينة أخرى ، كانت أكثر جمالا من سابقتها ، تعرف عليها عن طريق الشات ،
التقا مرة واحدة قصد التعرف عن بعضهما البعض ، كان مترددا من ناحيتها لأنه
كان يتطلع إلى الزواج من امرأة مثقفة الشيء الذي تفتقده هذه الأخيرة ، لكن
بقي متشبتا بها لا سيما و أن جمالها و قوامها أسراه . احتار سليم كثيرا
فيهما ، لكنه في الأخير اهتدى إلى فكرة ، أن يقول لهما انه مريض ، و من
سألت عنه أكثر من الأخرى ستكون هي شريكة حياته .ارسل لهما رسالة على الفور
يخبرهما بأن يده جرحت في حادث و نقل على إثر ذلك إلى المستشفى . سهام
الفتاة التي تعرف عليها في الشات ، لم يهدأ لها بال ،أمطرته بالرسائل
القصيرة تسأل عن حالته بشكل متواصل إلى أن اخبرها في اليوم التالي بأن
حالته تحسنت . أما حنان زميلته السابقة ، فقد اقتصرت على رسالة واحدة كتبت
فيها : أتمنى لك الشفاء العاجل . بعد هذا الإختبار سهل الإختيار ، اتصل
بسهام و اخبرها بأنه يريد خطبتها .
تمت الخطوبة و بعدها الزواج . ما آثار
انتباه و دهشة سليم في أولى ايام الزواج هو معصم زوجته المليء بالخدوش
والجروح المندملة . فكر في تأجيل سؤاله لها عن مصدر تلك الجروح .
في إحدى الليالي اسيقظ سليم على خطوات
سهام المتجهة إلى المطبخ ، تبعها بعد ذلك ليجدها تجرح يدها ، أخذ السكين من
يدها ونهرها ، الشيء الذي جعلها تصارحه بأنها تفعل ذلك بدون شعور ، نصحها
بأن يصطحبها إلى دكتور نفساني ، لكن اصرارها على أنها لن تفعل ذلك مرة أخرى
جعله يعدل عن ذلك . مر شهر عن الحادثة و سهام لم تقم بجرح يدها ، لكنها
بين الحين والآخر كانت تتصرف بشكل غريب .
مرض سليم بنزلة برد ، بقي طريح الفراش
ليومين ،احتضنته زوجته وقالت له سأكون لك الزوجة المثالية سأجعلك أسعد زوج
في العالم ، هيا يا حبيبي قم لتستحم ، ستحس بالراحة بعد ذلك .
ما إن وطأت رجله بانيو الحمام حتى انزلق
، في كل مرة كان يحاول الوقوف ينزلق بفعل الصابون ، حتى يده تنزلق عندما
يحاول المساعدة بها .اما هي فكانت تضحك ، جن جنونه و هو المريض العليل ،
لكن و لدهشته بدا و كأنه يشاهد فيلما هو و زوجته بطلاه ، يريد أن يتمه و
يعرف كيف ستتصرف في بقيته هذه التي اختارها يوما لأنها احنت عليه في مرضه .
الأمور لم تتوقف عند هذا الحد ،أخذت مرشة الدوش و صبت عليه الماء البارد و
قالت له هذا سينعشك يا حبيبي ، و هو يرتفع من شدة البرد و يبحلق فيها و
كأنه شل لا يقوى على الحركة . يتساءل كيف لهذه الغزالة التي رسمتها في
مخيلتي لمدة أن تتحول إلى لبؤة مكشرة عن انيابها و ابدو أنا امامها كالحمل
الوديع لا يحرك ساكنا ؟
بعد ذلك قالت له ؛ ساحلق ذقنك و نخرج
لنتنزه فالجو جميل بالخارج . عندما لاحظت تردده قالت له انا من كنت احلق
ذقن أبي ، حتى عندما مات انا من حلقته له . لم يتفوه بكلمة ، أصبح كالمصدوم
الذي شلت حركته ، يبدو كصنم كل ما يتحرك فيه أفكاره المتشابكة ، لم يعد
يعرف ماذا سيسبق و ماذا سيؤخر .
قالت له أجربت يوما الحلاقة بدون ماء
وصابون ؟ ستجربها اليوم ، اجلسته على كرسي قرب نافذة الحمام حيث أشعة الشمس
الدافئة المتسللة إلى الداخل ،أخذت الموسى بين اصابعها في خفة ، عيناه لم
تكونا تفارقان الموسى والجروح المندملة على المعصم . حركت الموسى في اتجاه
العنق ، بدأت تحلق بعناية ، لكنه احس بوخز على وجهه ، قال هذا أمر عادي ،
تكرر الوخز مرات إلى أن انتهت و اظهرت له وجههه في المرآة . فتح فمه مندهشا
، الدم يسيل و كانت كل نقطة من وجهه قد جرحت . قالت له ؛ لا تقلق ياحبيبي ،
لقد كان أبي يلصق قطع ورق صغيرة فوق الجروح لينقطع الدم . الصقت أكثر من
عشرين قطعة ورق صغيرة فوق وجهه حيث امتزج لونها الابيض بلون الدم ، أخذت له
صورة بجوالها ، بعد ذلك وضعتها على بروفايله ليراها كل معارفه . انتشر
الخبر ، سليم أصيب بالجنون بين أصدقائه و كل معارفه . اما المسكين فكان هو
آخر من يعلم حين وجد عدة رسائل أصحابها يسألون عن حالته و انتبه لصورته
البلهاء . قطع كل اتصالاته بهم ، بل حتى رقم هاتفه غيره بعد هذه الفضيحة .
مرت الشهور وعادت سهام إلى رشدها ، لكن
هذا لا يعني أن سليم ارتاح ، فقد ظل يفكر كل لحظة في حظه التعيس و يؤنبه
ضميره لأنه لم يرتبط بحنان الشابة المحترمة الخلوقة . تدهورت حالته النفسية
بشكل كبير ، أصيب ببرود و نفور اتجاه زوجته ، الشيء الذي اغاضها .. ازداد
غيضها حينما لم يعد يفكر في إنجاب طفل معها . تدهورت حالته إلى أن أصيب
بقصور كلوي اضطر معه إلى الانقطاع عن العمل و الحضور لثلاث حصص بالمستشفى
،كانت زوجته ترافقه لسبب واحد ألا وهو التلذذ بمنظر الدم . بعد ذلك رجعت
إلى عادتها أي جرح يدها ، في أحد الأيام طلبت منه أن ينجبا طفلا لكنه رفض ،
فقالت له انت لست برومانسي ، ساشتري لك لباسا ابيضا يظهرك كابطال
المسلسلات المكسيكية . عند المساء كانت الهدية مغلفة بعناية فوق السرير ،
فتحها ليجد ثوبا من الكفن . قالت له سافصل لك لباسا على مقاسك هذه الليلة ،
انسيت أنني خياطة بارعة ؟ اشتقت إلى الإبرة و الخيط .
كان يعرف بأنها كانت تقصد بالإبرة و
الخيط الدماء .. خرج مسرعا متوجها إلى مدينته الاصلية ، بعد أيام وصلتها
رساله الطلاق . واصل حصص القصور الكلوي ، في أحد الأيام رمقت عيناه حنان
زميلته السابقة تدخل إلى المستشفى لكنها كانت بشعر قصير ، لم تعد صاحبة
الشعر الطويل ، مشى خلفها ليجدها تعانق طفلة صغيرة في جناح السرطان ،استنتج
بعد ذلك بأن حنان قصت شعرها الطويل و تبرعت به للطفلة لكي يصنعوا لها به
شعرا مستعارا لان الطفلة فقدت شعرها بفعل العلاج . كما أن حنان هي من تكلفت
بكل المصاريف لصناعة الشعر المستعار .اغرقت عينا سليم بالدموع ، لم يتمالك
نفسه ، سلم عليها ، لم يخبرها بزواجه ، كل ما قاله لها انه انقطع عن العمل
.
مرت الأيام و سليم و حنان على اتصال ، تزوجا ، تبرعت له بإحدى كليتيها بحيث استرجع صحته و رزقا بثلاثة اطفال .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق