عروس الغيث كانت فتاة امازيغية رائعة الجمال ..
|
نقودكم أعزائي القراء إلى قرية جبلية بمنطقة
الأوراس -الجزائر- حيث تكتسح الخضرة سطوح الجبال التي تنفجر منها ينابيع
المياه العذبة و الأنهار الصافية و الوديان المباركة ، لتجعل منها مكان
رائع للعيش الرغيد و تربية المواشي في الأعالي الشاهقة و تحت نسيم نقي يشق
الصدور بالخير و ينعشها .
نصل الأوراس لنقص لكم أسطورة جميلة ينسجها
الحب و العفة و الحنان و تعطينا أحسن مثال على احترام الأهل و الأعراف
قبل احترام الذات . أسطورة لا يكاد يعرفها أغلب سكان شمال أفريقيا لكنهم
يعملون بها دون علمهم ، إنها أسطورة عروس المطر أو الغيث .
جبال الارواس حيث الطبيعة الخلابة والهواء النقي ..
|
تبدأ حكايتنا في زمن بعيد جدا في قرية
الأوراس المطلة على سلسلة جبلية شاهقة و جميلة شمال الجزائر حيث كان الناس
هناك يؤمنون بالآلهة المتعددة و يعبدونها قبل انتشار الإسلام هناك ، و من
أبرز الآلهة المقدسين بالنسبة لهم هو ' أنزار ' إله المطر و الرعد و
السحاب ، و يعود اهتمامهم بهذا الإله نسبة إلى أنه هو من يساهم في جمال و
روعة قريتهم التي يغمرها بالأمطار الغزيرة و المناخ الملائم لازدهار
زراعتهم و امتلاء وديانهم و أنهارهم بالمياه العذبة ، فكانوا يصلون له عله
يستجيب لهم .
كانت تعيش في القرية أجمل خلق الله على
الإطلاق حسب الأسطورة ، و هي فتاة امازيغية تدعى 'تيسليت' بيضاء البشرة
واسعة العينين و ثاقبة النظر ، مثيرة الجسد و كثيرة الخجل و الوجل ، من
كثرة جمالها و عفتها لم يجرؤ أوسم الشباب على محادثتها خجلا منها ، فكانوا
يعتبرونها ملاك سماوي يتعذر على البشر محادثته ، و هذا ما زرع فيها فكرة
العزلة فأصبحت تعتكف في أكثر مكان تعشقه و هو قمم الجبال و تحديدا بين
الأنهار العذبة التي كانت يثيرها خريرها و انسياب مياهها الصافية ، ما
يجعلها تلج فيها و تغتسل و تغني أطيب الأغاني بصوتها الحنون الراقي الذي
يشد انتباه الخلائق لها من دواب وحشرات و كيانات العالم الآخر .
استمرت الأيام و مرت الأوراس بفترة عصيبة ،
جفت فيها الأودية و الأنهار و عم الجفاف المنطقة فلم تفلح دعوات الناس
لإله المطر أبدا ، إلى أن صعدت جميلة القرية 'تيسليت' الى الجبل و استقرت
بين الوديان تبكي و تغني بصوت عذب يشكو حالها و ما آلت إليه قريتها ، لفت
هذا الغناء انتباه إله المطر الذي كان يطير بين السحاب فتتبع مصدر ذلك
الصوت إلى أن رأى صاحبته آية في الجمال و عفة في الأخلاق و بصفة الإلوهية
أستطاع قراءة ما في قلبها و ماضيها فتوقف لبرهة يتأمل حسنها و يسمع صوتها ،
إلى أن أعجب بها فقرر مكافأتها ، ضرب السماء بقوة فأنزلت أمطار غزيرة و
تجمعت سحب بيضاء جميلة أعطت رونقا خاصا للقرية و فرح السكان و اخضرت القرية
مجددا و طويلا لأن 'أنزار' استقر في المكان التي تزوره جميلتنا كل يوم
فكان ينزل المطر كلما سمع صوتها ، إلى أن بلغ به الهيام أن يصارحها بحبه
لها ، بعد أن استغرب من نفسه فهو اله و ليس جيدا أن يقع في حب مخلوق .
انتهز فرصة جلوسها بين احضان الغدير ..
|
انتهز فرصة جلوسها بين أحضان الغدير وقام
بالهبوط إلى الأرض ، انفجرت السماء بروقا رعدية ارتطمت بالسطح وخرج منها
شاب وسيم قوي ، اقترب هذا الشاب من تيسليت فاشتعلت خجلا و احمرارا و لم
تنظر إليه و طالبته بالرحيل ، لكنه أخبرها انه إله و يريد الزواج بها عن حب
، فخافت و هربت تجري ، واستمرت مواعيدهما في الجبل حتى استأنسته و أصبحت
ترتاح له و بدأت تحبه شيئا فشيئا .
لكن الإله كان متسرعا و أعاد إليها سؤاله
في الزواج منها فرفضت و هربت إلى قريتها و لم تعد ترجع إلى الغدير ، و هذا
ما أغضب 'أنزار' فحمل نفسه و طار في السماء و ابعد السحب و الأمطار عن
القرية حتى جفت وديانها و أصبحت كالصحراء القاحلة .
و بعد أشهر من الجفاف قرر سكان الأوراس
الهجرة و مغادرة هذا المكان القاحل ، لكن ' تيسليت' امتنعت و رفضت الفكرة
لحبها لقريتها ، و صعدت تبكي و تنادي إله المطر في الجبل بموافقتها الزواج
منه ، فاجتمع أهل القرية ليرو الحادثة الغريبة ، حيث نزل الإله فرحا و حمل
عروسه و طار بها بين السحب ، و فجأة ضربت المنطقة أمطار غيثية ارتوت
إليها الأرض و أعادت للقرية نظارتها التي افتقدتها و أصبحت أحسن من ذي قبل
و حل محل الفتاة قوس قزح يظهر في حال سقوط المطر .
و توارث السكان عادة يمارسونها و ينسبونها
لـعروس الغيث ' تيسليت' و هي سكب الماء و راء كل شخص مسافر ، في إشارة إلى
إن إله المطر سيحميه لأنه حمى قريتهم من الجفاف ، فلازالت هذه العادة
مستمرة إلى يومنا هذا و أصحابها يجهلون قصتها إلا القليل فقط ، و أنا
شخصيا لا يزال بعض من أقربائي يرشون السيارة بالماء في حالة السفريات
المفاجئة و خاصة إلى أماكن بعيدة .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق