فاتحا شيئا شبيه بخزانة مليئة بالكتب ..
|
أنا مجرد شاب متدين ابعد كل البعد عن
الشعوذة والخرافات ، ادرس الهندسة وأعيش حياة عاديه يسودها الطمأنينة
والهدوء . لكن هذا لم يستمر طويلا حتى جاء اليوم الذي كاد أن يعصف بي والى
ترك دراستي بل وهلاك حياتي بأكملها .
اليوم الأسود
استيقظت باكرا للانتهاء من أكثر من شيء
يخص دراستي ، أنهيت ذلك باكرا ، كان يوما عاديا ، ذهبت وعدت من جامعتي
وأنهيت مذاكرتي وظللت ابحث عن كتب كالعادة في مكتبة جدي ، فقد كان مهندسا
عظيما ، وهو قدوتي ومثلى الأعلى ، لقد كنت ابحث عن كتب تخص المشاريع التي
شارك فيها ، لكن هذه المرة لم أجد ما أصبو إليه ، فقررت أن اتجه إلى مكتبه
المقفل .
كان جدي نائما فأخذت المفتاح بدون علمه
لأنه لم يدعني قط ادخل إلى هناك ، وحين اسأل والدي عن ذلك يجيبني بأنه لا
يريد لأحد أن يقرأ كتاب ما هناك حتى أن جدي لم يسمح لأبى بأن يقرأه ، كل
هذا جعلني اشتاق أكثر وأكثر لقراءة هذا الكتاب ، معتقدا انه توصل إلى سر
أو نظرية ما حول ظاهرة أو شيء من هذا القبيل .
لن أطيل الحديث عليكم كثيرا ، أخذت
المفتاح ودخلت إلى المكتب ، بحثت هنا وهناك ولم أجد أي كتب ، فغضبت لأنني
فاتتني متعة القراءة . ولكن إذا لم يكن هناك شيء فلماذا جدي حريص على
إقفاله دائما ، وتذكرت قول جدي حين كان يخبرني أن الأشياء الثمينة كانت
تخبأ داخل الحيطان في المنازل . فبحثت كثيرا حتى وجدت جزء من الحائط لم
يتماشى شكل زخرفته مع بقيته كأنه تم بنائه بعد الانتهاء من زخرفه الحائط ،
فضغطت عليه كأنني في فيلم أجنبي فإذا بلوح خشبي يقع على الأرض فاتحا شيئا
شبيه بخزانة مليئة بالكتب .
لم أتعجب فجدي مهندس مدني عبقري ومبدع ، ولم أجد نفسي إلا وأنا افتح الكتاب الأول ...
ما هذا ؟ .. عنوانه غريب .. لا يخص الهندسة في شيء ! ..
كان عنوانه: كيف أصبح ساحرا؟ وكيف اتصل بالجن؟ .
لم اعبأ بهذا قائلا : (شويه هبل) .. وقذفته داخل الخزانة .
أخذت آخر ، كان عنوانه: ماذا افعل للجن لأخاويه ؟ .. فألقيته مثل أخيه مستهزءا : (ابقا تعالى وانا اقولك) .
أخذت كتاب ثالث ، فوجدت عنوانه : حيل
شيطانية ، فألقيته قائلا ما هذا الجهل والغباء ، وقررت أن أغلق هذه الخزانة
عديمة الفائدة ، فكل كتبها مجرد جهل ، لكن لم استطع أن أغلقها وقررت
الاستمرار في محاولاتي حتى دخل جدي مذعورا وهو يقول : ماذا فعلت ؟ أقرأت
شيئا منها ؟ .
فرددت قائلا : هدأ من روعك يا جدي ، لست مهتم بذلك .
لكن كيف لشخص متعلم كثيرا أن يكون خائفا
هكذا من مثل هذه الكتب ، فسألته لمن هذه الكتب ؟ ولماذا مكتوبة بخط يدوى؟
ولماذا لا يوجد عليها تاريخ نشر؟ ..
فأجابني : (ملكش دعوه بالموضوع ده) .
فتوسلت : أرجوك أخبرني . فأعاد الكتب حيث كانت وبدأ كلامه قائلا : ( ليتك لم تفعل كما فعل أخي ) .
فسألته ماذا فعل ؟ . فأجابني : (راح سكه الي يروح ميرجعش) .
أخبرني أن ذلك بدأ عام 1912 حين كان في
الخامسة عشره من عمره ، كان جدي يذاكر في حقل أبيه ، وكان أخيه الذي أتم
العشرين من عمره والذي ترك المدرسة بعد الابتدائية يشتغل هناك ، وفي أحد
الأيام وجدا امرأة في غاية الجمال تنادى عليهما فطلبت منهما المجيء خلفها
بدون تفكير . فذهب أخيه خلفها ، لكن جدي رأى خلف هذا الجمال نظره باردة
خبيثة فلم يذهب ناصحا أخيه بعدم الذهاب أيضا ، لكن هيهات ، لم يصغ إلى جدي
ولم يستطع جدي منعه ، وفي ثواني اختفت المرأة وكذلك أخيه عن الأنظار .
ذهب جدي إلى المنزل و اخبر والده ، فخاف
على ولده وذهب إلى الحقل ليجده ، ووجده ملقى على الأرض عاريا ووجهه شاحبا
باردا ، وعندما استيقظ لم يقص شيئا على عائلته ، قال بأنه تشاجر مع شخص ما ،
وأنكر ما قاله جدي عن ذهابه مع المرأة الجميلة . فصدقه والده وكذب جدي .
وفى اليوم التالي أمره والده بأن يذهب إلى
الحقل ليقوم بنزع بعض النباتات والحفر ليهيأ الأرض للزراعة ، وكانت هذه
العملية تأخذ أياما وتتطلب عدة أشخاص ليتعاونوا معا ، لكن أخيه لم يلبث إلا
ليوم واحد فقط منهيا العمل دون أي تعب يظهر عليه . فتعجب جدي كثيرا وسأله
: كيف فعلت ذلك بسرعة ؟ .. فأجابه قائلا : ابعد عني ولا تسألني عن ذلك .
لم يرضى جدي بهذا الجواب وراقب أخاه لعله يعرف سره ، فرآه يكتب والأرض تروى و يبذر فيها الحبوب من تلقاء نفسها !
صعق جدي لما رآه ، لم يصدق عيناه ، كيف
يكتب وهو الذي خرج من المدارس لعدم قدرته على الكتابة وتعلمها ؟ .. كيف
يحدث ما يحدث في الأرض من سقي وبذر من دون أن يعمل أحد ؟! .
وأستمر جدي يراقب أخاه فرآه ينتظر نوم
والدهما ليلا ليخرج في الأرض الخاوية ليخلع ملابسه و يشعل النار في أربع
عصي ويرسم دائرة ويقفز هنا وهناك مثل المجنون و يقول كلمات غير مفهومة
ويتصرف وكأنه مع أناس آخرين يرقص معهم ويفعل أشياء أخرى قذرة لا يبوح بها
اللسان .
عاد جدي إلى المنزل مرعوبا مما رأى ، صلى
ركعتين ونام ، وعندما استيقظ عزم أن يخلص أخيه من الجن والأشباح التي تفعل
ذلك به . لم يجد غير ذلك تفسيرا ، فأخذ المصحف ووجد أخيه جالسا فطلب منه
أن يأخذ المصحف إلى المنضدة بالداخل ، فلم يوافق أخيه مدعيا أن رجله تؤلمه
، فوضعه على وجهه ، فإذا به ينفجر غضبا ليصفع جدي صفعة كادت تقتله و يضرب
والده وخرج من المنزل .
أخبر جدي أباه كل شيء بخصوص أخيه ، فصدقه
أبوه وذهب إلى شيخ البلدة ليحضره ليطرد هذه الأشباح ، وبالفعل حضر الشيخ
وذهبا حيث اخبرهم جدي أنه رأى أخاه في الداخل ، لكنهم لم يجدوه إلا وقد هجم
على الشيخ وكاد يقتله ، فأراد أبوه أن يقتله بالنار ، لكن هذا لما يؤثر
فيه ، غير انه وقع لثواني على الأرض وصوت ليس بصوته يكلمنا قائلا :
سأقتلكم جميعا .
فاخرج الشيخ مصاحف كانت بحوزته ليضعها فوق
جسده ومن بعدها لم يتحرك . وبقوا بجانبه لساعات ولكنه لا يتحرك ، ثم
غلبهم النعاس جميعا ، وحين سألت جدي كيف تنام في مثل ذلك الموقف أخبرني أنه
لا يدرى كيف ناموا جميعا ليستيقظوا ويجدوا المصاحف موجودة كما هي و لكن
بدون وجود جسد أخيه وهنا توقف عن الكلام فقد انتهت قصه أخيه ... لكن ما
علاقة ذلك بالكتب الموجودة هنا ؟ ... أخبرني انه وجدها تحت شجره قد خلعت
من الأرض بعد فترة من الحادثة ، ولعل هذه الكتب كان قد كتبها أخوه فخاف
جدي أن يقرأها احد ووضعها هنا في هذا المخبأ .
لقد أطلت كثيرا ولذلك سأنهى حكايتي عن اليوم الأسود في جزء ثاني بنفس العنوان مضاف إليه الرقم 2.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق